دعوى الحق العام ودعوى الحق الشخصي

التعريف:

دعوى الحق العام هي الدعوى التي يتعلق بها حق المجتمع ولا تسقط بإسقاط الحق الشخصي إلا في الحالات التي حددها القانون.

أما دعوى الحق الشخصي فهي الدعوى التي يتعلق بها حق المجني عليه وتسقط بإسقاط الادعاء بالحق الشخصي.

تجدر الإشارة الى أن كل شخص تقام عليه دعوى الحق العام يسمى مشتكى عليه ويسمى ظنيناً إذا ظن عليه بجنحة ومتهماً إذا اتهم بجناية. فهو مشتكى عليه اذا كان الجرم المسند إليه جنحه يدخل النظر فيها ضمن اختصاص قاضي الصلح وظنيناً اذا كان الجرم المسند إليه جنحه يدخل النظر فيها ضمن اختصاص محكمة البداية بصفتها الجزائية وصدر بحقه قرار ظن من المدعي العام المختص ومتهماً اذا كان الجرم المسند إليه يشكل جناية يدخل النظر فيها ضمن اختصاص محكمة البداية بصفتها الجنائية أو محكمة الجنايات الكبرى وصدر بحقه قرار اتهام من النائب العام المختص ولائحة اتهام من المدعي العام المختص، بحيث يضاف الى التسميات أعلاه عبارة ” مدعى عليه بالحق الشخصي” متى اقترنت الشكوى الجزائية بالادعاء بالحق الشخصي.

إقامة الدعويين:

تختص النيابة العامة بإقامة دعوى الحق العام ومباشرتها ولا تقام من غيرها إلا في الأحوال المبينة في القانون، إلا أن النيابة العامة تجبر على إقامتها إذا أقام المتضرر نفسه مدعياً شخصياً وفقاً للشروط المعينة في القانون ولا يجوز تركها أو وقفها أو تعطيل سيرها إلا في الأحوال المبينة في القانون.

يشار الى أن المشرع الأردني اشترط لرفع الدعوى الجزائية في بعض الجرائم وجود شكوى أو ادعاء بالحق الشخصي من المجني عليه أو غيره بحيث انه لا يجوز اتخاذ أي إجراء في هذه الدعوى إلا بعد وقوع هذه الشكوى أو الادعاء. وفي هذا النوع من الجرائم احدث المشرع الأردني تعديل مؤخراً يصب في مصلحة العدالة من خلال منعه التسويف والمماطلة وهو النص صراحه في الفقرتين أوب من البند الثاني من المادة الثالثة من قانون أصول المحاكمات الجزائية على انه يسقط الحق في تقديم هذه الشكوى أو الادعاء بالحق الشخصي بعد مرور ثلاثة اشهر من تاريخ علم المجني عليه بوقوع الجريمة إلا انه لا اثر لهذا السقوط على الحقوق المدنية للمجني عليه، إضافة الى نص المشرع على انه اذا لم يقم المشتكي بمتابعة هذه الشكوى مدة تزيد على ثلاث اشهر فعلى محكمة الصلح إسقاط دعوى الحق العام تبعا لذلك.

أما في الدعاوى الصلحية الجزائية الأخرى التي ترفع من المشتكي مباشرة فإذا لم يقم المشتكي بمتابعة شكواه مدة تزيد على ستة أشهر جاز للمحكمة إسقاط دعوى الحق العام، كما جاء بصريح نص الفقرة الثالثة من المادة الثالثة من ذات القانون.

يثار تساؤل هنا، ماذا لو كان المجني عليه في الجريمة (المشتكي) لم يكمل خمس عشرة سنة أو كان مصاباً بعاهة في عقله فممن تقدم الشكوى؟

لقد أجاب المشرع الأردني على ذلك بأن الشكوى والحالة هذه تقدم ممن له الولاية عليه، أما إذا كانت الجريمة واقعة على المال فتقبل الشكوى من الوصي أو القيم.  وإذا ما تعارضت مصلحة المجني عليه مع مصلحة من يمثله أو لم يكن له من يمثله تقوم النيابة العامة مقامه.

التساؤل الآخر ماذا لو كان المجني عليه هيئه معنويه، فممن تقدم الشكوى؟

لقد أجاب المشرع الأردني على ذلك بالقول انه إذا كان المجني عليه هيئة أو مصلحة فتقبل الشكوى أو الادعاء الشخصي بناء على طلب خطي من الهيئة أو رئيس المصلحة المجني عليها.

المرجع القضائي المختص

لقد حددت المادة الخامسة من قانون أصول المحاكمات الجزائية الجهة القضائية المختصة بنظر دعوى الحق العام عندما نصت على أن تقام دعوى الحق العام على المشتكى عليه أمام المرجع القضائي المختص التابع له مكان وقوع الجريمة أو موطن المشتكى عليه أو مكان الفاء القبض عليه ولا افضليه لمرجع على أخر إلا بالتاريخ الأسبق في إقامة الدعوى لديه. أما في حالة الشروع فتعتبر الجريمة أنها وقعت في كل مكان وقع فيه عمل من أعمال البدء في التنفيذ، وفي الجرائم المستمرة يعتبر مكاناً للجريمة كل محل تقوم فيه حالة الاستمرار. وفي جرائم الاعتياد والجرائم المتتابعة يعتبر مكاناً للجريمة كل محل يقع فيه أحد الأفعال الداخلة فيها. وإذا ما وقعت في الخارج جريمة من الجرائم التي تسري عليها أحكام القانون الأردني ولم يكن لمرتكبها محل إقامة معروف في المملكة الأردنية الهاشمية ولم يلق القبض عليه فيها فتقام دعوى الحق العام عليه أمام المراجع القضائية في العاصمة. كما أنه يجوز إقامة دعوى الحق العام على المشتكى عليه أمام القضاء الأردني إذا ارتكبت الجريمة بوسائل الكترونية خارج المملكة وترتبت أثارها فيها، كليا أو جزئيا، أو على أي من مواطنيها.

ولقد حددت المادة السادسة من ذات القانون الجهة القضائية المختصة بنظر دعوى الحق الشخصي عندما نصت على انه يجوز إقامة دعوى الحق الشخصي تبعاً لدعوى الحق العام امام المرجع القضائي المقامة لديه هذه الدعوى كما تجوز إقامتها على حدى لدى القضاء المدني ، وفي هذه الحال يتوقف النظر فيها الى أن تفصل دعوى الحق العام بحكم مبرم، على انه اذا أقام المدعي الشخصي دعواه لدى القضاء المدني فلا يسوغ له العدول عنها وإقامتها لدى المرجع الجزائي، ولكن اذا أقامت النيابة العامة دعوى الحق العام جاز للمدعي الشخصي نقل دعواه الى المحكمة الجزائية ما لم يكن القضاء المدني قد فصل فيها بحكم في الأساس .

الضمانات المقررة للاستجواب

من خلال اطلاعنا على واقع التطبيق العملي في المحاكم وجدت ان كثيراً ما تثار دفوع جوهرية تؤدي إلى إفلات مجرم من عقاب، حتى أن تلك الدفوع من الممكن أن تثار في اخر مراحل الطعن وأعني بذلك أمام محكمة التمييز، ولعل من أهم هذه الدفوع الدفع ببطلان الاستجواب لعيب جوهري شاب اجراءاته.

من هنا وجدت أنه من الأهمية بمكان إلقاء الضوء على هذا الإجراء الهام من اجراءات التحقيق الابتدائي، ولا أبالغ إذا ما قلت أنه من أهم الإجراءات التي يتعين على رجل النيابة العامة القيام به لأنه مجابهة المتهم بما هو منسوب إليه من تهمة بشكل تفصيلي وهو بذلك يختلف عن مفهوم السؤال الذي يقع ضمن اختصاص رجال الضابطة العدلية.

فمما لا شك فيه أنه من الضمانات المهمة التي دأب التوجه القانوني والقضائي على تحقيقها هي الحرية الواسعة للمتهم وهو يواجه التهمة المسندة إليه، بغية تحقيق كل السبل والوسائل القانونية التي تضمن له حق الدفاع عن نفسه، ونظرا لأهمية الاستجواب وخطورته واستنادا لطبيعته والدور الذي يتصف به إجراء الاستجواب أثناء التحقيق الجنائي فإن القانون نص على ضمانات بالنسبة للاستجواب سواء ما يتعلق بالجهة المختصة بالاستجواب أو ما يتعلق منها بحقوق وحرية الشخص المتهم. فالاستجواب هو المرحلة التي يتم خلالها أخذ إفادة المتهم لدى النيابة العامة أو قضاة التحقيق في بعض الأنظمة، وهي من أكثر المراحل التي تؤثر على طبيعة سير المحاكمة وصدور القرار بالإدانة أو البراءة. وقد أنيطت هذه المهمة بالمحققين المخولين قانونا وهي النيابة العامة وفقا لقانون اصول المحاكمات الجزائية الاردني حيث منح هذا الحق للمدعي العام فقط والذي منعه القانون من أن يوكل غيره للقيام بهذا الإجراء أو حتى التفويض به ولو كان التفويض لرجل الضابطة العدلية. فلا يجوز لرجل الضابطة العدلية أن يستجوب المتهم وكل ما يخول اليه من صلاحية هو سؤال المتهم عند القبض عليه على سبيل المثال عن اسمه وعنوانه وسنه ومهنته وإحاطته علما بالتهمة المنسوبة إليه، واثبات جميع الاقوال التي يدلي بها ولو اعترف، ولكن دون مناقشته بهذه الاقوال ودون مواجهته بالشهود أو غيره من المتهمين.

ونظرا لأهمية الاستجواب وخطورته فإن مخالفة أي ضمانة من ضمانات الاستجواب يترتب عليه البطلان القانوني المقرر بنص المادة 63 من قانون اصول المحاكمات الجزائية الاردني. إضافة إلى أن ترك هذه المهمة بيد النيابة العامة وهي سلطة الاتهام، معناه ترك تقدير الادلة بيدها وكثيرا ما تهمل تحقيق دفاع المتهم مقابل صب اهتمامها على جمع ادلة الاتهام وهذا ما ينافي مبدأ ان النيابة خصم شريف للمتهم كذلك فإن عدم التوسع بالتحقيق الابتدائي يؤدي إلى إحالة القضية للمحكمة دون ان تكون ادلة الاتهام كافيه للإدانة، وبالتالي فإن مهمة النيابة العامة يجب ان تكون في تحقيق التوازن ما بين مصلحة المتهم ومصلحة المجتمع (المصلحة العامة) وذلك يتأتى من خلال التوسع بالتحقيق مراعاةً للمصلحتين مع تحقيق العدالة الناجزة (عدم إضاعة الوقت) بما لا يؤدي الى ضياع وقت المحاكم فضلاً عما يصيب المتهم من اضرار مادية ومعنوية وبذات الأهمية بما لا يؤدي الى افلات مجرم من العقاب.

إن الواقع العملي اثبت لنا أهمية وخطورة إجراء الاستجواب والمواجهة وضرورة أن يحاط بأكبر قدر من الضمانات التي من شأنها أن تنأى به عن الانحراف عن غرضه المنشود. ولعل أهم هذه الضمانات على الإطلاق ضمانة حياد المحقق، التي تقتضي أن يباشره قاضٍ محايد لا سلطان عليه في قضائه لغير القانون، يحترم حقوق الإنسان وقرينة البراءة، وينزه نفسه عن استخدام أية وسيلة غير مشروعة من شأنها التأثير في إرادة المشتكى عليه. وفي ضوء ذلك، فإننا نعتقد أن موقف المشرع الأردني الذي تراجع بمقتضاه عن مبدأ الفصل بين وظيفتي الادعاء والتحقيق الابتدائي، الذي كان مقرراً في قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم (76) لسنة 1951، واعتمد نظام جمع الوظيفتين في يد النيابة العامة في قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم (9) لسنة 1961 النافذ حالياً، هو موقف يصعب الدفاع عنه بسبب الاختلاف القائم بين الوظيفتين سواء من حيث الدور أو من حيث الطبيعة القانونية؛ فهو جمع بين اختصاصين متناقضين، مما يضع النيابة العامة في موقف الخصم والحكم في آن معاً، ولا يمكن للخصم أن يكون محققاً محايداً وعادلاً، حيث يجد المشتكى عليه في قاضي التحقيق من العدل والحياد والموضوعية ما لا يجده فيمن وجّه التهمة إليه.

ومع التحفظ على نظام جمع وظيفتي الادعاء والتحقيق الابتدائي في يد النيابة العامة، فإن الشارع وضع ثقته في المدعي العام، بوصفه أحد أعضاء النيابة العامة ورئيس الضابطة العدلية، أو بوصفه قاضياً للتحقيق، فأناط به وحده صلاحية استجواب المشتكى عليه، وحظر على موظفي الضابطة العدلية القيام بالاستجواب أصالة أو إنابة، ولعل ذلك يوجد شيء من الضمانة لهذا الاجراء الهام.

الدكتور المحامي ثائر سعود العدوان

مدير عام شركة نزاهة للمحاماة والاستشارات القانونية والتحكيم